مولى أمير المؤمنين علي عليه السّلام وخاصّته وحواريّه، ومستودع أسراره ومَغرس علومه، وقد أطْلَعَه عليه السّلام على علمٍ كثيرٍ وأسرارٍ خفيّة مِن أسرار الوصيّة.
كان الحواري عبداً لامرأة مِن بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين عليه السّلام منها فأعتقه، فقال: ما اسمُك ؟! قال: سالم، فقال عليه السّلام: أخبَرَني رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ اسمك الذي سمّاك به أبوك في العجم « فلان ».
قال: صدَقَ اللهُ ورسوله وصدق أمير المؤمنين، واللهِ إنّه لاَسمي، قال: فارجِعْ إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله صلّى الله عليه وآله ( أي ذَكَرك به ) ودَعْ سالماً. فرجع إلى اسم « فلان » واكتنى بأبي سالم.
من أقوال أمير المؤمنين له : فأبشِروا، ثمّ أبشِروا؛ فإنّ الله قد خصّكم بما لم يخصّ به الملائكة والنبيّين والمرسلين فيما احتملتم ذلك في أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلمه، فحدِّثوا عن فضلنا ولا حَرَج، وعن عظيم أمرنا ولا إثم. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أُمِرنا ـ معاشرَ الأنبياء ـ أن نخاطب الناسَ على قَدْر عقولهم .
إخباره بالمُغيَّب
بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله، وبعض أصحاب الأئمّة عليهم السّلام.. خُصُّوا بعنايات ومواهب، فكان منهم مَن تَلَقَّوا عن أهل البيت عليهم السّلام معارفَ خاصّة من علوم الغيب ومعرفة البلايا والمنايا، ذلك حين بلغوا درجةً من الولاية لمحمّد وآله صلوات الله عليه وعليهم والتسليم لهم والتصديق بمقاماتهم، فصاروا موردَ ثقتهم ومحلَّ بعض أسرارهم، ففاضوا بشيءٍ من ذلك إلى الناس ليوقفوهم على الحقائق الآتية، وأنّ آل الله عليهم السّلام لهم معرفةٌ لَدُنيّة من الله جلّت عظمته، فهم مَحالُّ المعرفة الإلهيّة، ومساكنُ البركة الربّانيّة، ومعادن الحكمة العُلْويّة.
وروى الشيخ الصدوق بإسناده إلى جَبَلة المكّية قالت: سمعتُ فلان يقول: واللهِ لَتَقتُلُ هذه الأُمّةُ ابنَ نبيّها في المحرّم لعشرٍ يَمضِين منه، ولَيتَّخِذنّ أعداءُ الله ذلك اليومَ يومَ بركة، وإنّ ذلك لكائن، قد سبق في علم الله تعالى ذِكرُه، أعلمُ ذلك بعهدٍ عَهِده إليّ مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام.
قالت جبلة: فقلت له: ما فلان، وكيف يتّخذ الناسُ ذلك اليوم الذي يُقتَل فيه الحسين عليه السّلام يومَ بركة ؟! فبكى الحواري رضي الله عنه ثمّ قال: سيزعمون لحديثٍ يضعونه أنّه اليومُ الذي تاب اللهُ فيه على آدم، ويزعمون أنّه اليومُ الذي قَبِل اللهُ فيه توبةَ داود..
وعن الحواري نفسه قال في حديث: خرجنا فإذا ابن عباس جالس، فقلت: يا ابنَ عبّاس، سَلْني ما شئتَ مِن تفسير القرآن؛ فإنّي قرأتُ تنزيله على أمير المؤمنين عليه السّلام وعلَّمني تأويله.
وعنه قال : دعاني أمير المؤمنين وقال لي: كيف أنت ـ يا فلان ـ إذا دعاك دَعيُّ بني أميّة ابن دَعيّها عبيدُالله بن زياد إلى البراءة منّي ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا ـ واللهِ ـ لا أبرأ منك. قال: إذن ـ واللهِ ـ يَقتلُك ويَصلبك، قلت: أصبِرُ فذاك في الله قليل، فقال: ما الحواري، إذن تكون معي في درجتي.
وكان الحواري يمرّ بنخلةٍ في سَبخة فيضرب بيده عليها ويقول: يا نخلة، ما غُذِيتِ إلاّ لي، وما غُذِيتُ إلاّ لكِ.
وهكذا يُؤخذ الحواري صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام في الكوفة ويُدخَل به على عبيد الله بن زياد بن أبيه فيُقال لعبيدالله: هذا كان مِن آثرِ الناس عند علي، فيقول عبيدالله: وَيحَكُم! هذا الأعجميّ ؟!
قيل له: نعم، قال له عبيدالله: أين ربُّك ؟ فأجابه الحواري: بالمرصاد لكلّ ظالم، وأنت أحدُ الظَّلَمة! قال: إنّك على عُجمتك لَتبلُغ الذي تريد! أخبِرْني ما أخبَرَك صاحبُك ( أي عليّ عليه السّلام ) أنّي فاعلٌ بك، ..
قال الحواري: أخبرني أنّك تصلبني عاشرَ عشرة أنا أقصرهم خشبةً وأقربهم إلى المَطهَرة، قال عبيدالله: لَنُخالِفَنَّه! قال الحواري: كيف تُخالفه ؟! فوَاللهِ ما أخبَرَ إلاّ عن النبي صلّى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء ؟!
ولقد عَرَفتُ الموضع الذي أُصلَبُ فيه وأين هو من الكوفة، وأنا أوّل خَلق الله أُلجَم في الإسلام.
فحبسه عبيدُالله وحبس معه المختارَ بن أبي عبيدة، قال الحواري: إنّك تُفلِت وتخرج ثائراً بدم الحسين ( عليه السّلام ) فتَقتل هذا الذي يَقتلُنا.
فلمّا دعا عبيدُالله بالمختار ليقتله، طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيدالله بن زياد يأمر بتخلية سبيله، فخلاّه وأمر بالحواري أن يُصلَب، فأُخرِج ( إلى الصَّلب )، فقال له رجلٌ لَقِيَه: ما كان أغناك عن هذا! فتبسّم الحواري وقال وهو يومئ إلى النخلة: لها خُلِقتُ ولي غُذِيَت.
فلمّا رُفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان ـ واللهِ ـ يقول: إنّي مجاورُك.
فجعل الحواري يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألْجِموه! وكان أوّل خَلق اللهِ أُلجِم في الإسلام.
وكان قتل الحواري رحمه الله قبل قدوم الحسين بن عليّ عليهما السّلام العراق بعشرة أيّام، فلمّا كان اليوم الثالث من صَلْبه طُعِن الحواري بالحربة فكبّر، ثمّ انبعث في آخر النهار فمُه وأنفه دماً!
فمن هو هذا الحواري؟